فصل: تَفْسِيرُ السُّورَةِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا هُودٌ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآيات رقم ‏[‏96- 97‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ يَا مُحَمَّدُ “ كَلِمَةُ رَبِّكَ “ هِيَ لَعْنَتُهُ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ هُودٍ‏:‏ 18‏]‏ فَثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “ حَقٌّ عَلَى فُلَانٍ كَذَا يَحِقُّ عَلَيْهِ “ إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَوَجَبَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يُصَدِّقُونَ بِحُجَجِ اللَّهِ، وَلَا يُقِرُّونَ بِوَحْدَانِيَّةِ رَبِّهِمْ، وَلَا بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ ‏{‏وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ‏}‏، وَمَوْعِظَةٍ وَعِبْرَةٍ، فَعَايَنُوهَا، حَتَّى يُعَايِنُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، كَمَا لَمْ يُؤْمِنْ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ، إِذْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ حَتَّى عَايَنُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، فَحِينَئِذٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ يُونُسَ‏:‏ 90‏]‏، حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ قِيلُهُ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ مِنْ قَوْمِكَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهِمْ، لَا يُؤْمِنُونَ بِكَ فَيَتَّبِعُونَكَ، إِلَّا فِي الْحِينِ الَّذِي لَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَقَّ عَلَيْهِمْ سَخَطُ اللَّهِ بِمَا عَصَوْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏، حَقَّ عَلَيْهِمْ سَخَطُ اللَّهِ بِمَا عَصَوْهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَهَلَّا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ‏؟‏ وَهِيَ كَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ‏.‏

وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ عِنْدَ مُعَايَنَتِهَا الْعَذَابَ، وَنُزُولِ سَخَطِ اللَّهِ بِهَا، بِعِصْيَانِهَا رَبَّهَا وَاسْتِحْقَاقِهَا عِقَابَهُ، فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، كَمَا لَمْ يَنْفَعْ فِرْعَوْنَ إِيمَانُهُ حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ بَعْدَ تَمَادِيهِ فِي غَيِّهِ، وَاسْتِحْقَاقِهِ سَخَطَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ فَإِنَّهُمْ نَفَعَهُمْ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْعُقُوبَةِ وَحُلُولِ السَخَطِ بِهِمْ‏.‏

فَاسْتَثْنَى اللَّهُ قَوْمَ يُونُسَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيمَانُهُمْ بَعْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِسَاحَتِهِمْ، وَأَخْرَجَهُمْ مِنْهُمْ، وَأَخْبَرَ خَلْقَهُ أَنَّهُ نَفَعَهُمْ أَيْمَانُهُمْ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأُمَمِ غَيْرِهِمْ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ فَمَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ، بِمَعْنَى الْجُحُودِ، فَكَيْفَ نَصَبَ “ قَوْمَ “ وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ مَا قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ إِذَا كَانَ جَحْدًا كَانَ مَا بَعْدَهُ مَرْفُوعًا، وَأَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ “ مَا قَامَ أَحَدٌ إِلَّا أَخُوكَ “، وَ“ مَا خَرَجَ أَحَدٌ إِلَّا أَبُوكَ “‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنْ ذَلِكَ فِيمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ “ الْأَخَ “ مِنْ جِنْسِ “ أَحَدٍ “ وَكَذَلِكَ “ الْأَبُ “، وَلَكِنْ لَوِ اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ حَتَّى يَكُونَ مَا بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، كَانَ الْفَصِيحُ مِنْ كَلَامِهِمُ النَّصْبَ، وَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ‏:‏ “ مَا بَقِيَ فِي الدَّارِ أَحَدٌ إِلَّا الْوَتِدَ “ وَ“ مَا عِنْدَنَا أَحَدٌ إِلَّا كَلْبًا أَوْ حِمَارًا “ لِأَنَّ “ الْكَلْبَ “ وَ“ الْوَتِدَ “، وَ“ الْحِمَارَ “، مِنْ غَيْرِ جِنْسِ “ أَحَدٍ “، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ الذُّبْيَانِيِّ‏:‏

عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ ***

ثُمَّ قَالَ‏:‏

إِلَّا أَوَارِيَّ لَأْيًا مَا أُبَيَّنُهَا *** وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ

فَنَصَبَ “ الْأَوَارِيَّ “ إِذْ كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ‏.‏ فَكَذَلِكَ نَصَبَ ‏(‏قَوْمَ يُونُسَ‏)‏، لِأَنَّهُمْ أُمَّةٌ غَيْرُ الْأُمَمِ الَّذِينَ اسْتُثْنُوا مِنْهُمْ، وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِمْ وَشَكْلِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ بَنِي آدَمَ‏.‏ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الَّذِي يُسَمِّيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُنْقَطِعَ، وَلَوْ كَانَ ‏(‏قَوْمُ يُونُسَ‏)‏ بَعْضُ “ الْأُمَّةِ “ الَّذِينَ اسْتُثْنُوا مِنْهُمْ، كَانَ الْكَلَامُ رَفْعًا، وَلَكِنَّهُمْ كَمَا وَصَفْتُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا الْإِيمَانُ إِذَا نَزَلَ بِهَا بَأْسُ اللَّهِ، إِلَّا قَرْيَةَ يُونُسَ‏.‏

قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدُ‏:‏ فَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا كَمَا نَفَعَ قَوْمَ يُونُسَ إِيمَانَهُمْ إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ لَمْ يَنْفَعْ قَرْيَةٌ كَفَرَتْ ثُمَّ آمَنَتْ حِينَ حَضَرَهَا الْعَذَابُ، فَتُرِكَتْ، إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ، لَمَّا فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ وَظَنُّوا أَنَّ الْعَذَابَ قَدْ دَنَا مِنْهُمْ، قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ التَّوْبَةَ، وَلَبِسُوا الْمُسُوحَ، ‏[‏وَفَرَّقُوا‏]‏ بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا، ثُمَّ عَجُّوا إِلَى اللَّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً‏.‏ فَلَمَّا عَرَفَ اللَّهُ الصِّدْقَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَالتَّوْبَةَ وَالنَّدَامَةَ عَلَى مَا مَضَى مِنْهُمْ، كَشْفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بَعْدَ أَنْ تَدَلَّى عَلَيْهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ قَوْمَ يُونُسَ كَانُوا بِنِينَوَى أَرْضِ الْمَوْصِلِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّهُمْ خَرَجُوا فَنَزَلُوا عَلَى تَلٍّ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ بَهِيمَةٍ وَوَلَدِهَا، يَدْعُونَ اللَّهَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، حَتَّى تَابَ عَلَيْهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ غَشَّى قَوْمَ يُونُسَ الْعَذَابُ، كَمَا يُغَشِّي الثَّوْبُ الْقَبْرَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنْ صَالِحٍ الْمَرِّيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ الْعَذَابَ كَانَ هَبَطَ عَلَى قَوْمِ يُونُسَ حَتَّى لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إِلَّا قَدْرَ ثُلُثَيْ مِيلٍ، فَلَمَّا دَعَوْا كَشْفَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَإِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَمَا نَفَعَ قَوْمَ يُونُسَ‏.‏ زَادَ أَبُو حُذَيْفَةَ فِي حَدِيثِهِ، قَالَ‏:‏ لَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ حِينَ رَأَتِ الْعَذَابَ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا، إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ مَتَّعْنَاهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رَجُلٌ قَدْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي صَدْرِهِ، فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَدَّثَ عَنْ قَوْمِ يُونُسَ حِينَ أَنْذَرَ قَوْمَهُ فَكَذَّبُوهُ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ يُصِيبُهُمْ، وَفَارَقَهُمْ‏.‏ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ غَشِيَهُمُ الْعَذَابُ، ‏[‏لَكِنَّهُمْ‏]‏ خَرَجُوا مِنْ مَسَاكِنِهِمْ، وَصَعِدُوا فِي مَكَانٍ رَفِيعٍ، وَأَنَّهُمْ جَأَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ وَدَعَوْهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ‏:‏ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ رَسُولُهُمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَفِي ذَلِكَ أُنْزِلَ‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏، فَلَمْ تَكُنْ قَرْيَةٌ غَشِيَهَا الْعَذَابُ ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْهَا، إِلَّا قَوْمُ يُونُسَ خَاصَّةً‏.‏ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ يُونُسُ، ‏[‏لَكِنَّهُ‏]‏ ذَهَبَ عَاتِبًا عَلَى رَبِّهِ، وَانْطَلَقَ مُغَاضِبًا وَظَنَّ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ، حَتَّى رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ أَهْلَهَا عَاصِفُ الرِّيحِ فَذَكَرَ قِصَّةَ يُونُسَ وَخَبَرَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ قَالَ‏:‏ “ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَنْزِلُ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ أُنْثَى وَوَلَدِهَا مِنَ النَّاسِ وَالْأَنْعَامِ، ثُمَّ قَامُوا جَمِيعًا فَدَعَوُا اللَّهَ، وَأَخْلَصُوا إِيمَانَهُمْ، فَرَأَوُا الْعَذَابَ يَكْشِفُ عَنْهُمْ‏.‏ قَالَ يُونُسُ حِينَ كَشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ‏:‏ أَرْجِعُ إِلَيْهِمْ وَقَدْ كذَبْتُهُمُ‏!‏ وَكَانَ يُونُسُ قَدْ وَعَدَهُمُ الْعَذَابَ بِصُبْحِ ثَالِثَةٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَرَجَ مُغْضِبًا وَسَاءَ ظَنُّهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ لَمَّا أَرْسَلَ يُونُسَ إِلَى قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَدَعَاهُمْ فَأَبَوْا، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ مُصَبِّحُهُمْ، فَقَالُوا‏:‏ إِنَّا لَمْ نُجَرِّبْ عَلَيْهِ كَذِبًا، فَانْظُرُوا، فَإِنْ بَاتَ فِيكُمْ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَبِتْ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْعَذَابَ مُصَبِّحُكُمْ‏.‏ فَلَمَّا كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ أَخَذَ عُلَاثَةً فَتَزَوَّدَ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَغَشَّاهُمُ الْعَذَابُ، كَمَّا يَتَغَشَّى الْإِنْسَانُ الثَّوْبَ فِي الْقَبْرِ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَوَلَدِهِ، وَبَيْنَ الْبَهِيمَةِ وَوَلَدِهَا، ثُمَّ عَجُّوا إِلَى اللَّهِ فَقَالُوا‏:‏ آمَنَّا بِمَا جَاءَ بِهِ يُونُسُ وَصَدَّقْنَا‏!‏ فَكَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، فَخَرَجَ يُونُسُ يَنْظُرُ الْعَذَابَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، قَالَ‏:‏ جَرَّبُوا عَلَيَّ كَذِبًا‏!‏ فَذَهَبَ مُغَاضِبًا لِرَبِّهِ حَتَّى أَتَى الْبَحْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ‏:‏ إِنَّ يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذَابَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، ثُمَّ خَرَجُوا فَجَأَرُوا إِلَى اللَّهِ وَاسْتَغْفَرُوهُ‏.‏ فَكَفَّ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَغَدَا يُونُسُ يَنْظُرُ الْعَذَابَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، وَكَانَ مِنْ كَذِبٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةُ قَتْلٍ، فَانْطَلَقَ مُغَاضِبًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَبِي الْجِلْدِ جِيلَانَ قَالَ‏:‏ لِمَا غَشَّى قَوْمَ يُونُسَ الْعَذَابُ، مَشَوْا إِلَى شَيْخٍ مِنْ بَقِيَّةِ عُلَمَائِهِمْ فَقَالُوا لَهُ‏:‏ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِنَا الْعَذَابُ فَمَا تَرَى‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ قُولُوا‏:‏ “ يَا حَيُّ حِينَ لَا حَيٌّ، وَيَا حَيُّ مُحْيِيَ الْمَوْتَى، وَيَا حَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ “‏!‏ فَكُشِفَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ، وَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ‏:‏ “ فَلَوْلَا “، يَقُولُ ‏(‏فَهَلَّا‏)‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لِمَا صَدَّقُوا رَسُولَهُمْ، وَأَقَرُّوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ بَعْدَ مَا أَظَلَّهُمُ الْعَذَابُ وَغَشِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَنَزَلَ بِهِمُ الْبَلَاءُ، كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْهَوَانِ وَالذُّلِّ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا ‏{‏وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَخَّرْنَا فِي آجَالِهِمْ وَلَمْ نُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، وَتَرَكْنَاهُمْ فِي الدُّنْيَا يَسْتَمْتِعُونَ فِيهَا بِآجَالِهِمْ إِلَى حِينِ مَمَاتِهِمْ، وَوَقْتِ فَنَاءِ أَعْمَارِهِمُ الَّتِي قَضَيْتُ فَنَاءَهَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مِنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى؛ ذَكَرَ لِنَبِيِّهِ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ‏}‏، يَا مُحَمَّدُ ‏{‏رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا‏}‏، بِكَ، فَصَدَّقُوكَ أَنَّكَ لِي رَسُولٌ، وَأَنَّ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ وَمَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعُبُودَةِ لَهُ، حَقٌّ، وَلَكِنْ لَا يَشَاءُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَكَ رَسُولًا أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِكَ، وَلَا يَتَّبِعُكَ فَيُصَدِّقُوكَ بِمَا بَعَثَكَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالنُّورِ، إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَا فِيهِنَّ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ عَجِبُوا مِنْ صِدْقِ إِيحَائِنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ لِتُنْذِرَ بِهِ مَنْ أَمَرْتُكَ بِإِنْذَارِهِ، مِمَّنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ عِنْدِي أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِكَ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مِنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا‏}‏، ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ يُونُسَ‏:‏ 100‏]‏، وَنَحْوَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ، «فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْرِصُ أَنْ يُؤْمِنَ جَمِيعُ النَّاسِ وَيُتَابِعُوهُ عَلَى الْهُدَى، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ إِلَّا مَنْ قَدْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ فِي الذَّكَرِ الْأَوَّلِ وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سَبَقَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاءُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ»‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا‏}‏، فَـ “ الْكُلُّ “ يَدُلُّ عَلَى “ الْجَمِيعِ “ وَ“ الْجَمِيعُ “ عَلَى “ الْكُلِّ “ فَمَا وَجْهُ تَكْرَارٍ ذَلِكَ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُغْنِي عَنِ الْأُخْرَى‏؟‏

قِيلَ‏:‏ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ‏:‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيَّ أَهْلِ الْبَصْرَةِ‏:‏ جَاءَ بِقَوْلِهِ “ جَمِيعًا “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَوْكِيدًا، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ النَّحْلِ‏:‏ 51‏]‏، فَفِي قَوْلِهِ‏:‏ “ إِلَهَيْنِ “ دَلِيلٌ عَلَى “ الِاثْنَيْنِ “‏.‏

وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ جَاءَ بِقَوْلِهِ “ جَمِيعًا “ بَعْدَ “ كُلِّهِمْ “ لِأَنَّ “ جَمِيعًا “ لَا تَقَعُ إِلَّا تَوْكِيدًا، وَ“ كُلُّهُمْ “ يَقَعُ تَوْكِيدًا وَاسْمًا، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِـ “ جَمِيعًا “ بَعْدَ “ كُلِّهِمْ “‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ قِيلَ إِنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُعْلَمَ أَنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، لَجَازَ هَا هُنَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكَذَلِكَ‏:‏ ‏{‏إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، الْعَدَدُ كُلُّهُ يُفَسِّرُ بِهِ، فَيُقَالُ‏:‏ “ رَأَيْتُ قَوْمًا أَرْبَعَةً “ فَلِمَا جَاءَ “ بِاثْنَيْنِ “، وَقَدِ اكْتَفَى بِالْعَدَدِ مِنْهُ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ “ عِنْدِي دِرْهَمُ وَدِرْهَمَانِ “، فَيَكْفِي مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، وَدِرْهَمَانِ اثْنَانِ “، فَإِذَا قَالُوا‏:‏ “ دَرَاهِمُ “ قَالُوا‏:‏ “ ثَلَاثَةٌ “ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَلْتَبِسُ، وَ“ الْوَاحِدُ “ وَ“ الِاثْنَانِ “ لَا يَلْتَبِسَانِ، ثُمَّ بُنِيَ الْوَاحِدُ وَالتَّثْنِيَةُ عَلَى بِنَاءِ ‏[‏مَا‏]‏ فِي الْجَمِيعِ، لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ، لِأَنَّ “ دِرْهَمًا “ يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ، وَ“ وَاحِدٌ “ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ الْأَجْنَاسِ‏.‏ وَكَذَلِكَ “ اثْنَانِ “ يَدُلَّانِ عَلَى كُلِّ الْأَجْنَاسِ، وَ“ دِرْهَمَانِ “ يَدُلَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِالْأَعْدَادِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّهُ لَنْ يَصْدُقَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَنْ يَتَّبِعَكَ وَيَقَرَّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا مَنْ شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يُصَدِّقَكَ، لَا بِإِكْرَاهِكَ إِيَّاهُ، وَلَا بِحِرْصِكَ عَلَى ذَلِكَ ‏{‏أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ لَكَ، مُصَدِّقِينَ عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ‏؟‏ يَقُولُ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ خِلْقَتُهَا مِنْ سَبِيلٍ إِلَى تَصْدِيقِكَ، يَا مُحَمَّدُ إِلَّا بِأَنَّ آذَنَ لَهَا فِي ذَلِكَ، فَلَا تُجْهِدُنَّ نَفْسَكُ فِي طَلَبِ هَدَّاهَا، وَبَلِّغْهَا وَعَيَّدَ اللَّهِ، وَعَرِّفْهَا مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ بِتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ خَلِّهَا، فَإِنَّ هُدَاهَا بِيَدِ خَالِقِهَا‏.‏

وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏، مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِقَضَاءِ اللَّهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلَقَهُ لِلْإِيمَانِ بِكَ يَا مُحَمَّدُ وَيَأْذَنُ لَهُ فِي تَصْدِيقِكَ فَيُصَدِّقُكَ وَيَتَّبِعُكَ، وَيُقِرُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ ‏{‏وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ‏}‏، وَهُوَ الْعَذَابُ، وَغَضَبُ اللَّهِ ‏{‏عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ‏}‏، يَعْنِي الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَجَهُ وَمَوَاعِظَهُ وَآيَاتِهِ الَّتِي دَلَّ بِهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَقِيقَةِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ‏}‏، قَالَ‏:‏ السَّخَطُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، السَّائِلِيكَ الْآيَاتِ عَلَى صِحَّةِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَخَلْعِ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ‏:‏ انْظُرُوا، أَيُّهَا الْقَوْمُ، مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، مِنْ شَمْسِهَا وَقَمَرِهَا، وَاخْتِلَافِ لَيْلِهَا وَنَهَارِهَا، وَنُزُولِ الْغَيْثِ بِأَرْزَاقِ الْعِبَادِ مِنْ سَحَابِهَا وَفِي الْأَرْضِ مِنْ جِبَالِهَا، وَتَصَدُّعِهَا بِنَبَاتِهَا، وَأَقْوَاتِ أَهْلِهَا، وَسَائِرِ صُنُوفِ عَجَائِبِهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ لَكُمْ إِنْ عَقَلْتُمْ وَتَدَبَّرْتُمْ مَوْعِظَةً وَمُعْتَبَرًا، وَدَلَالَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي مِلْكِهِ شَرِيكٌ، وَلَا لَهُ عَلَى تَدْبِيرِهِ وَحِفْظِهِ ظَهِيرٌ يُغْنِيكُمْ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْآيَاتِ‏.‏

يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَمَا تُغْنِي الْحُجَجُ وَالْعِبَرُ وَالرُّسُلُ الْمُنْذِرَةُ عُبَادَ اللَّهِ عِقَابَهُ، عَنْ قَوْمٍ قَدْ سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الشَّقَاءُ، وَقَضَى لَهُمْ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِهِ‏.‏ ‏{‏وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}‏‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُحَذِّرًا مُشْرِكِي قَوْمِهِ مِنْ حُلُولِ عَاجِلِ نِقَمِهِ بِسَاحَتِهِمْ نَحْوَ الَّذِي حَلَّ بِنُظَرَائِهِمْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ مِنْ قَبْلِهِمْ، السَّالِكَةِ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِ اللَّهِ وَجُحُودِ تَوْحِيدِ رَبِّهِمْ سَبِيلَهُمْ‏:‏ فَهَلْ يَنْتَظِرُ، يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوَّمَكَ الْمُكَذِّبُونَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِلَّا يَوْمًا يُعَايِنُونَ فِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِثْلَ أَيَّامِ أَسْلَافِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالتَّكْذِيبِ، الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَهُمْ فَخَلَوْا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ‏؟‏ قُلْ لَهُمْ، يَا مُحَمَّدُ إِنَّ كَانُوا ذَلِكَ يَنْتَظِرُونَ‏:‏ فَانْتَظَرُوا عِقَابَ اللَّهِ إِيَّاكُمْ، وَنُزُولَ سُخْطِهِ بِكُمْ، إِنِّي مِنَ الْمُنْتَظَرِينَ هَلَاكُكُمْ وَبَوَارَكُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي تَحِلُّ بِكُمْ مِنَ اللَّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَقَائِعُ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبِلَهُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ خَوَّفَهُمْ عَذَابَهُ وَنِقْمَتَهُ وَعُقُوبَتَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ أَنْجَى اللَّهُ رُسُلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نُنْجِي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ‏:‏ انْتَظَرُوا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبِلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الَّذِينَ هَلَكُوا بِعَذَابِ اللَّهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِذَا جَاءَ لَمْ يَهْلَكْ بِهِ سِوَاهُمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ تَكْذِيبِكَ، ثُمَّ نُنَجِّي هُنَاكَ رَسُولَنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ عَلَى دِينِهِ، كَمَا فَعَلْنَا قَبْلَ ذَلِكَ بِرُسُلِنَا الَّذِينَ أَهْلَكْنَا أُمَمَهُمْ، فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ آمَنَ بِهِ مَعَهُمْ مِنْ عَذَابِنَا حِينَ حَقَّ عَلَى أُمَمِهِمْ ‏{‏كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ كَمَا فَعَلْنَا بِالْمَاضِينَ مِنْ رُسُلِنَا فَأَنْجَيْنَاهَا وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهَا وَأَهْلَكْنَا أُمَمَهَا، كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِكَ، يَا مُحَمَّدُ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَنُنْجِيكَ وَنُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ بِكَ، حَقًّا عَلَيْنَا غَيْرَ شَكٍّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏104‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِوَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ الَّذِينَ عَجِبُوا أَنْ أَوْحَيْتُ إِلَيْكَ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ، أَيُّهَا النَّاسُ، مِنْ دِينَيَ الَّذِي أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، فَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏:‏ فَإِنِّي لَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ الَّتِي لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تُغْنِي عَنِّي شَيْئًا، فَتَشُكُّوا فِي صِحَّتِهِ‏.‏

وَهَذَا تَعْرِيضٌ وَلَحْنٌ مِنَ الْكَلَامِ لَطِيفٌ‏.‏

وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي، فَلَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَشُكُّوا فِيهِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَشُكُّوا فِي الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَعْقِلُ شَيْئًا وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ‏.‏ فَأَمَّا دَيْنِي فَلَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَشُكُّوا فِيهِ، لِأَنِّي أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَقْبِضُ الْخَلَقَ فَيُمِيتُهُمْ إِذْ شَاءَ، وَيَنْفَعُهُمْ وَيَضُرُّهُمْ إِنْ شَاءَ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ عِبَادَةَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يَسْتَنْكِرُهَا ذُو فِطْرَةٍ صَحِيحَةٍ‏.‏ وَأَمَّا عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ فَيُنْكِرُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ وَعَقْلٍ صَحِيحٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ فَيُمِيتُكُمْ عِنْدَ آجَالِكُمْ ‏{‏وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ الَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ بِمَا جَاءَنِي مِنْ عِنْدِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏105‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ “ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ “، وَ“ أَنْ أَقِمْ “ وَ“ أَنْ “ الثَّانِيَةُ عَطْفٌ عَلَى “ أَنْ “ الْأُولَى‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ‏}‏، أَقِمْ نَفْسَكُ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، ‏(‏حَنِيفًا‏)‏ مُسْتَقِيمًا عَلَيْهِ، غَيْرَ مُعْوَجٍّ عَنْهُ إِلَى يَهُودِيَّةٍ وَلَا نَصْرَانِيَّةٍ، وَلَا عِبَادَةِ وَثَنٍ ‏{‏وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا تَكُونُنَّ مِمَّنْ يُشْرَكُ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ، فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا تَدْعُ، يَا مُحَمَّدُ، مِنْ دُونِ مَعْبُودِكَ وَخَالِقِكَ شَيْئًا لَا يَنْفَعُكَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، وَلَا يَضُرُّكَ فِي دِينِ وَلَا دُنْيَا، يَعْنِي بِذَلِكَ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ لَا تَعْبُدْهَا رَاجِيًا نَفْعَهَا أَوْ خَائِفًا ضُرَّهَا، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ “ فَإِنْ فَعَلْتَ “، ذَلِكَ، فَدَعَوْتَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ ‏{‏فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، الظَّالِمِي أَنْفُسِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏107‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَوَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مِنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ وَإِنْ يُصِبْكَ اللَّهُ، يَا مُحَمَّدُ بِشِدَّةٍ أَوْ بَلَاءٍ، فَلَا كَاشِفَ لِذَلِكَ إِلَّا رَبُّكُ الَّذِي أَصَابَكَ بِهِ، دُونَ مَا يَعْبُدُهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ ‏{‏وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَإِنْ يَرُدْكَ رَبُّكَ بِرَخَاءٍ أَوْ نِعْمَةٍ وَعَافِيَةٍ وَسُرُورٍ ‏{‏فَلَا رَادَ لِفَضْلِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَلَا يَرُدْكَ عَنْهُ وَلَا يَحْرِمْكَهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ، دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَدُونَ مَا سِوَاهُ ‏{‏يُصِيبُ بِهِ مِنْ يَشَاءُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُصِيبُ رَبُّكَ، يَا مُحَمَّدُ بِالرَّخَاءِ وَالْبَلَاءِ وَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، مِنْ يَشَاءُ وَيُرِيدُ ‏{‏مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ‏}‏، لِذُنُوبِ مِنْ تَابَ وَأَنَابَ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ كُفْرِهِ وَشِرْكِهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ ‏(‏الرَّحِيمُ‏)‏ بِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْهُمْ وَأَطَاعَهُ، أَنْ يُعَذِّبَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِوَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏(‏قُلْ‏)‏، يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ كِتَابَ اللَّهِ، فِيهِ بَيَانُ كُلِّ مَا بِالنَّاسِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ ‏{‏فَمَنِ اهْتَدَى‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَمَنِ اسْتَقَامَ فَسَلَكَ سَبِيلَ الْحَقِّ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْبَيَانِ ‏{‏فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْهُدَى، وَيَسْلُكُ قَصْدَ السَّبِيلِ لِنَفْسِهِ، فَإِيَّاهَا يَبْغِي الْخَيْرَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ لَا غَيْرَهَا ‏{‏وَمَنْ ضَلَّ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَنِ اعْوَجَّ عَنِ الْحَقِّ الَّذِي أَتَاهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَخَالَفَ دِينَهُ، وَمَا بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا وَالْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ ‏{‏فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَإِنَّ ضَلَالَهُ ذَلِكَ إِنَّمَا يَجْنِي بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِذَلِكَ غَيْرُهَا، وَلَا يُوَرَّدُ بِضَلَالِهِ ذَلِكَ الْمَهَالِكَ سِوَى نَفْسِهِ‏.‏ وَلَا تَزُرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ‏{‏وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِمُسَلَّطٍ عَلَى تَقْوِيمِكُمْ، إِنَّمَا أَمْرُكُمْ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ الَّذِي يُقَوِّمُ مِنْ شَاءَ مِنْكُمْ، وَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ مُبَلِّغٌ أُبِلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏109‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَاتَّبَعَ، يَا مُحَمَّدُ وَحْيَ اللَّهِ الَّذِي يُوحِيهِ إِلَيْكَ، وَتَنْزِيلَهُ الَّذِي يُنَزِّلُهُ عَلَيْكَ، فَاعْمَلْ بِهِ، وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ فِي اللَّهِ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنَ الْأَذَى وَالْمَكَارِهِ، وَعَلَى مَا نَالَكَ مِنْهُمْ، حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ وَفِيكَ أَمْرَهُ بِفِعْلٍ فَاصِلٍ ‏{‏وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ خَيْرُ الْقَاضِينَ وَأَعْدِلُ الْفَاصِلِينَ‏.‏ فَحَكَمَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ،، وَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ أَنْ يَسْلُكَ بِهِمْ سَبِيلَ مَنْ أَهْلَكَ مِنْهُمْ، أَوْ يَتُوبُوا وَيُنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا مَنْسُوخٌ ‏{‏حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ‏}‏، حُكْمُ اللَّهِ بِجِهَادِهِمْ، وَأَمْرُهُ بِالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ يُونُسَ

تَفْسِيرُ السُّورَةِ الَّتِي يَذْكُرُ فِيهَا هُودٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ هَذَا الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ‏.‏

وَرُفِعَ قَوْلُهُ‏:‏ “ كِتَابٌ “ بِنِيَّةِ‏:‏ “ هَذَا كِتَابٌ “‏.‏

فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏، مُرَادٌ بِهِ سَائِرَ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَجُعِلَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ دَلَالَةً عَلَى جَمِيعِهَا، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ “ هَذِهِ الْحُرُوفُ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ “ فَإِنَّ الْكِتَابَ عَلَى قَوْلِهِ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏الر‏)‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ تَأْوِيلُهُ‏:‏ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، ثُمَّ فَصَلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ أُحْكِمَتْ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَفُصِّلَتْ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ أُحْكِمَتْ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهَيِ، وَفُصِّلَتْ بِالْوَعِيدِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ‏{‏ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ قَوْلٌ خِلَافُ هَذَا‏.‏ وَذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ وَحَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ ‏(‏أُحْكِمَتْ‏)‏، بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ‏{‏ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏، بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ ‏(‏أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ‏)‏ مِنَ الْبَاطِلِ، ثُمَّ فُصِّلَتْ، فَبَيَّنَ مِنْهَا الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‏}‏، أَحْكَمَهَا اللَّهُ مِنَ الْبَاطِلِ، ثُمَّ فَصَّلَهَا بِعِلْمِهِ، فَبَيَّنَ حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ، وَطَاعَتَهُ وَمَعْصِيَتَه‌‌‌‌‌‌‌‌ُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَحْكَمَهَا اللَّهُ مِنَ الْبَاطِلِ، ثُمَّ فَصَّلَهَا، بَيَّنَهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ أَحْكُمُ اللَّهُ آيَاتِهِ مِنَ الدَّخَلِ وَالْخَلَلِ وَالْبَاطِلِ، ثُمَّ فَصَّلَهَا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ‏.‏

وَذَلِكَ أَنْ “ إِحْكَامَ الشَّيْءِ “ إِصْلَاحُهُ وَإِتْقَانُهُ وَ“ إِحْكَامَ آيَاتِ الْقُرْآنِ “، إِحْكَامُهَا مِنْ خَلَلٍ يَكُونُ فِيهَا، أَوْ بَاطِلٍ يَقْدِرُ ذُو زَيْغٍ أَنْ يَطْعَنَ فِيهَا مِنْ قِبَلِهِ‏.‏

وَأَمَّا “ تَفْصِيلُ آيَاتِهِ “ فَإِنَّهُ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، بِالْبَيَانِ عَمَّا فِيهَا مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَأَمْرٍ وَنَهْيٍ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يُفَسِّرُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏فُصِّلَتْ‏)‏، بِمَعْنَى‏:‏ فُسِّرَتْ، وَذَلِكَ نَحْوُ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ فُسِّرَتْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏فُصِّلَتْ‏)‏، قَالَ‏:‏ فُسِّرَتْ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ فُصِّلَتْ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَسِّرَتْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ قَتَادَةُ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ بُيِّنَتْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ قَبْلُ، وَهُوَ شَبِيهُ الْمَعْنَى بِقَوْلِ مُجَاهِدٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‏}‏، فَإِنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ ‏(‏حَكِيمٌ‏)‏ بِتَدْبِيرِ الْأَشْيَاءِ وَتَقْدِيرِهَا، خَبِيرٌ بِمَا تَؤُولُ إِلَيْهِ عَوَاقِبُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ خَبِيرٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثُمَّ فُصِّلَتْ بِأَنْلَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَتَخْلَعُوا الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ‏.‏ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قُلْ، يَا مُحَمَّدٍ لِلنَّاسِ ‏{‏إِنَّنِي لَكُمْ‏}‏، مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ‏(‏نَذِيرٌ‏)‏ يُنْذِرُكُمْ عِقَابَهُ عَلَى مَعَاصِيهِ وَعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ‏(‏وَبَشِيرٌ‏)‏، يُبَشِّرُكُمْ بِالْجَزِيلِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى طَاعَتِهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ وَالْأُلُوهَةِ لَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًاإِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثُمَّ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ، بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، وَبِأَنِ اسْتَغْفَرُوا رَبَّكُمْ‏.‏ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ‏}‏، وَأَنِ اعْمَلُوا أَيُّهَا النَّاسُ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا يُرْضِي رَبَّكُمْ عَنْكُمْ، فَيَسْتُرُ عَلَيْكُمْ عَظِيمَ ذُنُوبِكُمُ الَّتِي رَكِبْتُمُوهَا بِعِبَادَتِكُمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، وَإِشْرَاكِكِمُ الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ فِي عِبَادَتِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى رَبِّكُمْ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ سَائِرِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ بَعْدَ خَلْعِكُمُ الْأَنْدَادَ وَبَرَاءَتِكُمْ مِنْ عِبَادَتِهَا‏.‏

وَلِذَلِكَ قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ‏}‏، وَلَمْ يَقِلْ‏:‏ “ وَتُوبُوا إِلَيْهِ “، لِأَنَّ “ التَّوْبَةَ “ مَعْنَاهَا الرُّجُوعُ إِلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَالِاسْتِغْفَارُ‏:‏ اسْتِغْفَارٌ مِنَ الشِّرْكِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ، وَالْعَمَلُ لِلَّهِ لَا يَكُونُ عَمَلًا لَهُ إِلَّا بَعْدَ تَرْكِ الشِّرْكِ بِهِ، فَأَمَّا الشِّرْكُ فَإِنَّ عَمَلَهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلشَّيْطَانِ، فَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الشِّرْكِ، لِأَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُطِيعُونَ اللَّهَ بِكَثِيرٍ مِنْ أَفْعَالِهِمْ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ مُقِيمُونَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَاتِ‏:‏ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ بَسَطَ عَلَيْكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَرَزَقَكُمْ مِنْ زِينَتِهَا، وَأَنْسَأَ لَكُمْ فِي آجَالِكُمْ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي قَضَى فِيهِ عَلَيْكُمُ الْمَوْتَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏، فَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ الْمَتَاعِ، فَخُذُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةِ حَقِّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْعِمٌ يُحِبُّ الشَّاكِرِينَ، وَأَهْلُ الشُّكْرِ فِي مَزِيدٍ مِنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ قَضَاؤُهُ الَّذِي قَضَى‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏، يَعْنِي الْمَوْتَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَوْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏، وَهُوَ الْمَوْتُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَوْتُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ‏}‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي‏:‏ يُثِيبُ كُلَّ مَنْ تَفَضَّلَ بِفَضْلِ مَالِهِ أَوْ قُوتِهِ أَوْ مَعْرُوفِهِ عَلَى غَيْرِهِ مُحْتَسِبًا بِذَلِكَ، مُرِيدًا بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَجْزَلَ ثَوَابَهُ وَفَضْلَهُ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا احْتَسَبَ بِهِ مِنْ مَالِهِ، أَوْ عَمِلَ بِيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، أَوْ كَلِمَةٌ، أَوْ مَا تَطَوَّعَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ

وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَوْ عَمَلٍ بِيَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَكَلَامِهِ، وَمَا تَطَوَّلَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَمَا نَطَقَ بِهِ مِنْ أَمْرِهِ كُلِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ‏}‏، أَيْ‏:‏ فِي الْآخِرَةِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا‏:‏-

حُدِّثْتُ بِهِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ، وَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ‏.‏ فَإِنْ عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَ عَمِلَهَا فِي الدُّنْيَا بَقِيتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ‏.‏ وَإِنْ لَمْ يُعَاقَبْ بِهَا فِي الدُّنْيَا أُخِذَ مِنَ الْحَسَنَاتِ الْعَشْرِ وَاحِدَةٌ، وَبَقِيَتْ لَهُ تِسْعُ حَسَنَاتٍ‏.‏ ثُمَّ يَقُولُ‏:‏ هَلَكَ مَنْ غَلَبَ آحَادُهُ أَعْشَارَهُ‏!‏‏!‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنْ أَعْرَضُوا عَمَّا دَعَوْتُهُمْ إِلَيْهِ، مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ، وَتَرْكِ عِبَادَةِ الْآلِهَةِ، وَامْتَنَعُوا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِلَّهِ وَالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، فَأَدْبَرُوا مُوَلِّينَ عَنْ ذَلِكَ، ‏(‏فَإِنِّي‏)‏، أَيُّهَا الْقَوْمُ، ‏{‏أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ‏}‏، شَأْنُهُ عَظِيمٌ هَوْلُهُ، وَذَلِكَ يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يَظْلِمُونَ‏.‏

وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ‏}‏، وَلَكِنَّهُ مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَهُ قَوْلٌ، وَالْعَرَبُ إِذَا قَدَّمَتْ قَبْلَ الْكَلَامِ قَوْلًا خَاطَبَتْ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَى الْخَبَرِ عَنِ الْغَائِبِ، ثُمَّ رَجَعَتْ بَعْدُ إِلَى الْخِطَابِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏إِلَى اللَّهِ‏)‏، أَيُّهَا الْقَوْمُ، مَآبُكُمْ وَمَصِيرُكُمْ‏.‏

فَاحْذَرُوا عِقَابَهُ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ عَمَّا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنَ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَتِكُمُ الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ، فَإِنَّهُ مُخْلِدُكُمْ نَارَ جَهَنَّمَ إِنْ هَلَكْتُمْ عَلَى شِرْكِكُمْ قَبْلَ التَّوْبَةِ إِلَيْهِ ‏{‏وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُوَ عَلَى إِحْيَائِكُمْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، وَعِقَابِكُمْ عَلَى إِشْرَاكِكِمْ بِهِ الْأَوْثَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا أَرَادَ بِكُمْ وَبِغَيْرِكُمْ قَادِرٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَّا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُأَلَّا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَّا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، عَلَى تَقْدِيرِ “ يَفْعَلُونَ “ مِنْ “ ثَنَيْتُ “ وَ“ الصُّدُورُ “ مَنْصُوبَةٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ كَانَ مِنْ فِعْلِ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ، كَانَ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَطَّى وَجْهَهُ وَثَنَى ظَهْرَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بِثَوْبِهِ عَلَى وَجْهِهِ، وَثَنَى ظَهْرَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ قَالَ‏:‏ كَانَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا مَرُّوا بِهِ ثَنَى أَحَدَهُمْ صَدْرَهُ، وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ‏.‏ فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَنَى صَدْرَهُ، وَتَغَشَّى بِثَوْبِهِ، كَيْ لَا يَرَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَظَنًّا أَنَّ اللَّهَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تُضْمِرُهُ صُدُورُهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنَ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ شَكًّا وَامْتِرَاءً فِي الْحَقِّ، لِيَسْتَخِفُّوا مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، شَكًّا وَامْتِرَاءً فِي الْحَقِّ‏.‏ ‏{‏لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ تَضِيقُ شَكًّا‏.‏

حَدَّثَنَا الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ تَضِيقُ شَكًّا وَامْتِرَاءً فِي الْحَقِّ‏.‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَوْذَةُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ جَهَالَتِهِمْ بِهِ، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فِي أَجْوَافِ بُيُوتِِِهِمْ ‏(‏يَعْلَمُ‏)‏، تِلْكَ السَّاعَةَ ‏{‏مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ أَحَدُهُمْ يُحْنَى ظَهْرَهُ، وَيَسْتَغْشِي بِثَوْبِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَسْمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ ‏[‏كَانُوا يَحِنُّونَ صُدُورَهُمْ لِكَيْلَا يَسْمَعُوا كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَا حِينَ‏]‏ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏ وَذَلِكَ أَخْفَى مَا يَكُونُ ابْنُ آدَمَ، إِذَا حَنَى صَدَّرَهُ وَاسْتَغْشَى بِثَوْبِهِ، وَأَضْمَرَ هَمَّهُ فِي نَفْسِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَخْفَى مَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ إِذَا أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا وَتَغَطَّى بِثَوْبِهِ، فَذَلِكَ أَخْفَى مَا يَكُونُ، وَاللَّهُ يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي نُفُوسِهِمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُضْمِرُونَ لَهُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، وَيُبْدُونَ لَهُ الْمَحَبَّةَ وَالْمَوَدَّةَ، أَنَّهُمْ مَعَهُ وَعَلَى دِينِهِ‏.‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ أَلَّا إِنَّهُمْ يَطْوُونَ صُدُورَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ لِيَسْتَخِفُّوا مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَرَائِرُهُمْ وَعَلَانِيَتُهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا نَاجَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا حِينَ يُنَاجِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا‏.‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ‏}‏، عَلَى مِثَالِ‏:‏ “ تَحْلَوْلِي الثَّمَرَةُ “، “ تَفْعَوْعِلُ “‏.‏

حَدَّثَنَا‏.‏‏.‏‏.‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مَلِيكَةَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ وَلَا الْغَائِطَ إِلَّا وَقَدْ تَغَشَّوْا بِثِيَابِهِمْ، كَرَاهَةَ أَنْ يُفْضُوا بِفُرُوجِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عِبَادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَؤُهَا‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ سَأَلَتُهُ عَنْهَا فَقَالَ‏:‏ كَانَ نَاسٌ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَتَخَلَّوْا فَيُفْضُوا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَنْ يُصِيبُوا فَيُفِضُوا إِلَى السَّمَاءِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ‏:‏ أُخْبِرْتُ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ‏}‏، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ “ تَثْنُونِي صُدُورُهُمْ “ الشَّكُّ فِي اللَّهِ، وَعَمَلُ السَّيِّئَاتِ ‏{‏يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، يَسْتَكْبِرُ، أَوْ يَسْتَكِنُّ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَرَاهُ، يَعْلَمُ مَا يَسُرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ‏}‏، قَالَ عِكْرِمَةُ‏:‏ “ تَثْنُونِي صُدُورُهُمْ “ قَالَ‏:‏ الشَّكُّ فِي اللَّهِ، وَعَمَلُ السَّيِّئَاتِ، فَيَسْتَغْشِي ثِيَابَهُ، وَيَسْتَكِنُّ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ يَرَاهُ وَيَعْلَمُ مَا يَسُرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، عَلَى مِثَالِ “ يَفْعَلُونَ “ وَ“ الصُّدُورُ “ نَصْبٌ، بِمَعْنَى‏:‏ يَحِنُّونَ صُدُورَهُمْ وَيُكِنُّونَهَا، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُكِنُّونَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَكْتُمُونَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ‏{‏أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، يَعْلَمُ مَا عَمِلُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا إِنَّهَمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ‏{‏تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ الضَّحَّاكُ عَلَى مَذْهَبِ قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّ الَّذِي حَدَّثَنَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْقِرَاءَةَ فِي الرِّوَايَةِ‏.‏

فَإِذَا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا أُولَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا‏.‏ فَأَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِتَأْوِيلِ ذَلِكَ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ‏:‏ إِنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ جَهْلًا مِنْهُمْ بِاللَّهِ أَنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تُضْمِرُهُ نُفُوسُهُمْ، أَوْ تَنَاجَوْهُ بَيْنَهُمْ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَاتِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ‏}‏، بِمَعْنَى‏:‏ لِيَسْتَخِفُّوا مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ، ‏(‏مِنْهُ‏)‏، عَائِدَةٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجْرِ لِمُحَمَّدٍ ذِكْرٌ قَبْلُ، فَيُجْعَلُ مِنْ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنِ اللَّهِ‏.‏ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَتْ بِأَنْ تَكُونَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَى‏.‏ وَإِذَا صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُمْ لَمْ يُحَدِّثُوا أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ، إِلَّا بِجَهْلِهِمْ بِهِ‏.‏ فَأَخْبَرَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سِرُّ أُمُورِهِمْ وَعَلَانِيَتُهَا عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا، تَغَشَّوْا بِالثِّيَابِ، أَوْ أَظْهَرُوا بِالْبَرَازِ‏.‏

فَقَالَ‏:‏ ‏{‏أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ يَتَغَشَّوْنَ ثِيَابَهُمْ، يَتَغَطَّوْنَهَا وَيَلْبَسُونَ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “ اسْتَغْشَى ثَوْبَهُ وَتَغَشَّاهُ “ قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ نُوحٍ‏:‏ 7‏]‏، وَقَالَتْ الْخَنْسَاءُ‏:‏

أَرْعَى النُّجُومَ وَمَا كُلِّفْتُ رِعْيَتَهَا *** وَتَارَةً أَتَغَشَّى فَضْلَ أَطْمَارِي

‏{‏يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ بِرَبِّهِمُ، الظَّانُّونَ أَنَّ اللَّهَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا أَضْمَرَتْهُ صُدُورُهُمْ إِذَا حَنَوْهَا عَلَى مَا فِيهَا، وَثَنَوْهَا، وَمَا تُنَاجُوهُ بَيْنَهُمْ فَأَخْفَوْهُ ‏{‏وَمَا يُعْلِنُونَ‏}‏، سَوَاءٌ عِنْدَهُ سَرَائِرُ عِبَادِهِ وَعَلَانِيَتُهُمْ ‏{‏إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ ذُو عِلْمِ بِكُلِّ مَا أَخَفَّتْهُ صُدُورُ خَلْقِهِ، مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ، وَحَقٍّ وَبَاطِلٍ، وَخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَمَا تَسْتَجِنُّهُ مِمَّا لَمْ تُجِنُّهُ بَعْدُ‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثْنِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَاحْذَرُوا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْكُمْ رَبَّكُمْ وَأَنْتُمْ مُضْمِرُونَ فِي صُدُورِكُمُ الشَّكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ تَوْحِيدِهِ أَوْ أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ، أَوْ فِيمَا أَلْزَمَكُمُ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّصْدِيقُ، فَتَهْلَكُوا بِاعْتِقَادِكُمْ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا‏}‏، وَمَا تَدِبُّ دَابَّةٌ فِي الْأَرْضِ‏.‏

وَ“ الدَّابَّةُ “ “ الْفَاعِلَةُ “، مِنْ دَبَّ فَهُوَ يَدِبُّ، وَهُوَ دَابٌّ، وَهِيَ دَابَّةٌ‏.‏

‏{‏إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا وَمِنَ اللَّهِ رِزْقُهَا الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهَا، هُوَ بِهِ مُتَكَفِّلٌ، وَذَلِكَ قُوَّتُهَا وَغِذَاؤُهَا وَمَا بِهِ عَيْشُهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْزُقْهَا حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا، وَلَكِنْ مَا كَانَ مِنْ رِزْقٍ فَمِنَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كُلُّ دَابَّةٍ

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرْنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا‏}‏، يَعْنِي‏:‏ كُلُّ دَابَّةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُمْ‏.‏

وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ كُلَّ مَالٍ فَهُوَ “ دَابَّةٌ “ وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَمَا دَابَّةٌ فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ “ مِنْ “ زَائِدَةٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا‏}‏، حَيْثُ تَسْتَقِرُّ فِيهِ، وَذَلِكَ مَأْوَاهَا الَّذِي تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ‏{‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏}‏ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُودِعُهَا، إِمَّا بِمَوْتِهَا فِيهِ، أَوْ دَفْنِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا ابْنُ التَّيْمِيِّ عَنْ لَيْثٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ ‏(‏مُسْتَقَرَّهَا‏)‏ حَيْثُ تَأْوِي ‏(‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏)‏، حَيْثُ تَمُوتُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ حَيْثُ تَأْوِي ‏(‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ إِذَا مَاتَتْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ “ الْمُسْتَقِرُّ “ حَيْثُ تَأْوِي وَ“ الْمُسْتَوْدَعُ “ حَيْثُ تَمُوتُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏(‏مُسْتَقَرَّهَا‏)‏، فِي الرَّحِمِ ‏(‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏)‏، فِي الصُّلْبِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا‏}‏، فِي الرَّحِمِ ‏(‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏)‏، فِي الصُّلْبِ، مِثْلُ الَّتِي فِي “ الْأَنْعَامِ “‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا‏}‏، فَالْمُسْتَقِرُّ مَا كَانَ فِي الرَّحِمِ، وَالْمُسْتَوْدَعُ مَا كَانَ فِي الصُّلْبِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، أَخْبَرْنَا عُبَيْدٌ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فِي الرَّحِمِ ‏(‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏)‏، فِي الصُّلْبِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ “ الْمُسْتَقِرُّ “ فِي الرَّحِمِ وَ“ الْمُسْتَوْدَعُ “ حَيْثُ تَمُوتُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي وَيَعْلَى وَابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ “ مُسْتَقَرَّهَا “، الْأَرْحَامُ وَ“ مُسْتَوْدَعَهَا “‏:‏ الْأَرْضُ الَّتِي تَمُوتُ فِيهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا‏}‏، “ الْمُسْتَقِرُّ “ الرَّحِمُ، وَ“ الْمُسْتَوْدَعُ “ الْمَكَانُ الَّذِي تَمُوتُ فِيهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏(‏مُسْتَقَرَّهَا‏)‏، أَيَّامُ حَيَاتِهَا ‏(‏وَمُسْتَوْدَعَهَا‏)‏، حَيْثُ تَمُوتُ فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏(‏مُسْتَقَرَّهَا‏)‏، أَيَّامَ حَيَاتِهَا، وَ‏(‏مُسْتَوْدَعَهَا‏)‏‏:‏ حَيْثُ تَمُوتُ، وَمِنْ حَيْثُ تُبْعَثُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِيهِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّ مَا رُزِقَتِ الدَّوَابُّ مِنْ رِزْقٍ فَمِنْهُ، فَأَوْلَى أَنْ يُتْبِعَ ذَلِكَ أَنْ يَعْلَمَ مَثْوَاهَا وَمُسْتَقَرَّهَا دُونَ الْخَبَرِ عَنْ عِلْمِهِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْأَصْلَابُ وَالْأَرْحَامُ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلٌّ فِي كِتَابٍ‏}‏، ‏[‏مُبِينٍ‏]‏، عَدَدُ كُلِّ دَابَّةٍ، وَمَبْلَغُ أَرْزَاقِهَا، وَقَدَرُ قَرَارِهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا، وَمُدَّةُ لُبْثِهَا فِي مُسْتَوْدَعِهَا؛ كُلُّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ عِنْدَ اللَّهِ مُثَبِّتٌ مَكْتُوبٌ ‏(‏مُبِينٍ‏)‏، يَبِينُ لِمَنْ قَرَأَهُ أَنَّ ذَلِكَ مُثَبِّتٌ مَكْتُوبٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَيُوجِدَهَا‏.‏

وَهَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الَّذِينَ كَانُوا يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخِفُّوا مِنْهُ، أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا، وَأَثْبَتَهَا فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا وَيُوجِدَهَا، يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَمَنْ كَانَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يُوجِدَهُمْ، فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسُهُمْ إِذَا ثَنَوْا بِهِ صُدُورَهُمْ، وَاسْتَغْشَوْا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمْ‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ اللَّهُ الَّذِي إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ جَمِيعًا، ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَفَيُعْجِزُ مَنْ خَلَقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَنْ يُعِيدَكُمْ أَحْيَاءَ بَعْدَ أَنْ يُمِيتَكُمْ‏؟‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنِ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ فِي الْأَيَّامِ السِّتَّةِ، فَاجْتُزِئَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِذَكَرِ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنْ ذَكَرِ خَلْقِ مَا فِيهِنَّ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، مَوْلَى أَمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ‏:‏ خَلَقَ اللَّهَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتَ، وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمْعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَاتِ الْجُمْعَةِ، فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْل»‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ بَدَأَ خَلْقَ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ، وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي يَوْمَيْنِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ كَعْبٍ قَالَ‏:‏ بَدَأَ اللَّهُ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ، وَفَرَغَ مِنْهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَخَلَقَ آدَمَ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمْعَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ أَلْفَ سَنَةٍ‏.‏

وَحُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ، كُلُّ يَوْمٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ‏.‏ ابْتَدَأَ فِي الْخَلْقِ يَوْمَ الْأَحَدِ، وَخَتَمَ الْخُلْقَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَسُمِّيَتِ “ الْجُمْعَةُ “ وَسَبَتَ يَوْمُ السَّبْتِ فَلَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِنَّ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏، قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏، يُنْبِئُكُمْ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَيْفَ كَانَ بَدَءَ خَلْقَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا بَدْءُ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ‏.‏ عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعَقِيلِيِّ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فِي عَمَاءٍ‏,‏ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْقَطَّانُ الرَّازِقِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ قَالَ‏:‏ » قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَانَ فِي عَمَاءٍ‏,‏ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا الْمَسْعُودِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنِ ابْنِ حُصَيْنٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ أَتَى قَوْمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَجَعَلَ يُبَشِّرُهُمْ وَيَقُولُونَ‏:‏ اعْطِنَا‏!‏ حَتَّى سَاءَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ‏.‏ وَجَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا‏:‏ جِئْنَا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ، وَنَسْأَلُهُ عَنْ بَدْءِ هَذَا الْأَمْرِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَاقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ خَرَجُوا‏!‏ قَالُوا‏:‏ قَبِلْنَا‏!‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ غَيْرَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذَّكَرِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ‏.‏ ثُمَّ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ‏:‏ تِلْكَ نَاقَتُكُ قَدْ ذَهَبَتْ، فَخَرَجَتْ يَنْقَطِعُ دُونَهَا السَّرَابُ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي تَرَكْتُهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ عَرْشُ اللَّهِ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً، ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَطْبَقَهُمَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الرَّحْمَنِ‏:‏ 62‏]‏، قَالَ‏:‏ وَهِيَ الَّتِي ‏{‏لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ‏}‏ أَوْ قَالَ‏:‏ وَهَمَا الَّتِي لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ ‏{‏مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ السَّجْدَةِ‏:‏ 17‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهِيَ الَّتِي لَا تَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهَا أَوْ‏:‏ مَا فِيهِمَا يَأْتِيهِمْ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا أَوْ‏:‏ مِنْهُمَا تُحْفَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ‏}‏، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ضِمْرَةَ يَقُولُ‏:‏ إِنِ اللَّهَ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَخَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ سَبَّحَ اللَّهَ وَمَجَّدَهُ أَلْفَ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا مِنَ الْخَلْقِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ وَهَبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، ثُمَّ قَبَضَ مِنْ صَفَاةِ الْمَاءِ ‏[‏قَبْضَةً‏]‏، ثُمَّ فَتَحَ الْقَبْضَةَ فَارْتَفَعَ دُخَّانًا، ثُمَّ قَضَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ‏.‏ ثُمَّ أَخَذَ طِينَةً مِنَ الْمَاءِ فَوَضَعَهَا مَكَانَ الْبَيْتِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ مِنْهَا، ثُمَّ خَلَقَ الْأَقْوَاتَ فِي يَوْمَيْنِ وَالسَّمَاوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ وَخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ فَرَغَ مِنْ آخِرِ الْخَلْقِ يَوْمَ السَّابِعِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَخَلَقَكُمْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ‏(‏لِيَبْلُوَكُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لِيَخْتَبِرَكُمْ ‏{‏أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ لَهُ طَاعَةً، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبَّرِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا‏}‏، قَالَ‏:‏ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَقْلًا وَأَوْرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَأَسْرَعُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ‏؟‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا‏}‏، يَعْنِي الثِّقْلَيْنِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَلَئِنْ قُلْتَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ‏:‏ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ أَحْيَاءً مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ‏!‏ فَتَلَوْتُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ تَنْزِيلِي وَوَحْيِي ‏{‏لِيَقُولَنَّ إِنَّ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏، أَيْ‏:‏ مَا هَذَا الَّذِي تَتْلُوهُ عَلَيْنَا مِمَّا تَقُولُ، إِلَّا سِحْرٌ لِسَامِعِهِ، مُبِينٌ لِسَامِعِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ أَنَّهُ سِحْرٌ‏.‏

وَهَذَا عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏}‏، وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏إِنْ هَذَا إِلَّا سَاحِرٌ مُبِينٌ‏}‏، فَإِنَّهُ يُوَجِّهُ الْخَبَرَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ وَصَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ فِيمَا أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ سَاحِرٌ مُبِينٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ، فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَا هُنَا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَّا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، يَا مُحَمَّدُ الْعَذَابَ فَلَمْ نُعَجِّلْهُ لَهُمْ، وَأَنْسَأْنَا فِي آجَالِهِمْ إِلَى ‏{‏أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ‏}‏، وَوَقْتٍ مَحْدُودٍ وَسِنِينَ مَعْلُومَةٍ‏.‏

وَأَصْلُ “ الْأُمَّةِ “ مَا قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، أَنَّهَا الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ تَجْتَمِعُ عَلَى مَذْهَبٍ وَدِينٍ، ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ فِي مَعَانٍ كَثِيرَةٍ تَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْأَصْلِ الَّذِي ذَكَرْتُ‏.‏ وَإِنَّمَا قِيلَ لِلسِّنِينَ “ الْمَعْدُودَةَ “ وَالْحِينُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَنَحْوِهِ‏:‏ أُمَّةٌ، لِأَنَّ فِيهَا تَكُونُ الْأُمَّةُ‏.‏

وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى مَجِيءِ أُمَّةٍ وَانْقِرَاضِ أُخْرَى قَبْلَهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَى “ الْأُمَّةِ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الْأَجَلُ وَالْحِينُ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏.‏ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يُحْيِي قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِلَى أَجَلٍ مَحْدُودٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَثَلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ أَجْلٌ مَعْدُودٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ‏:‏ إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِلَى حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَمْسَكْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ ‏{‏إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ‏}‏، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ إِلَى حِينٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ “ لِيَقُولُنَّ “ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ “ مَا يَحْبِسُهُ “‏؟‏ أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ مِنْ تَعْجِيلِ الْعَذَابِ الَّذِي يَتَوَعَّدُنَا بِهِ‏؟‏ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهِ، وَظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا أُخِّرَ عَنْهُمْ لِكَذِبِ الْمُتَوَعِّدِ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ لِلتَّكْذِيبِ بِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَحْقِيقًا لِوَعِيدِهِ وَتَصْحِيحًا لِخَبَرِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ‏}‏ الْعَذَابُ الَّذِي يُكَذِّبُونَ بِهِ ‏{‏لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ يَصْرِفُهُ عَنْهُمْ صَارِفٌ، وَلَا يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ دَافِعٌ، وَلَكِنَّهُ يَحِلُّ بِهِمْ فَيُهْلِكُهُمْ ‏{‏وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَنَزَلَ بِهِمْ وَأَصَابَهُمُ الَّذِي كَانُوا بِهِ يَسْخَرُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ‏.‏ وَكَانَ اسْتِهْزَاؤُهُمْ بِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ قَيْلَهُمْ قَبْلَ نُزُولِهِ ‏{‏مَا يَحْبِسُهُ‏}‏ وَ“ هَلَّا تَأْتِينَا “‏؟‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ يَقُولُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا جَاءَتْ بِهِ أَنْبِيَاؤُهُمْ مِنَ الْحَقِّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَخَاءً وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ وَالْعَيْشِ، فَبَسَطْنَا عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَهِيَ “ الرَّحْمَةُ “ الَّتِي ذَكَرَهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ‏{‏ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ثُمَّ سَلَبْنَاهُ ذَلِكَ، فَأَصَابَتْهُ مَصَائِبُ أَجَاحَتْهُ فَذَهَبَتْ بِهِ ‏{‏إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَظَلُّ قَنِطًا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، آيِسًا مِنَ الْخَيْرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ “ يَئُوسٌ “، “ فَعُولٌ “ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “ يَئِسَ فَلَانٌ مِنْ كَذَا، فَهُوَ يَئُوسٌ “، إِذَا كَانَ ذَلِكَ صِفَةً لَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ “ كَفُورٌ “ يَقُولُ‏:‏ هُوَ كَفُورٌ لِمَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، قَلِيلُ الشُّكْرِ لِرَبِّهِ الْمُتَفَضِّلِ عَلَيْهِ، بِمَا كَانَ وَهَبَ لَهُ مِنْ نِعْمَتِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لِيَئُوسٌ كَفُورٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَا ابْنَ آدَمَ، إِذَا كَانَتْ بِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ مِنَ السَّعَةِ وَالْأَمْنِ وَالْعَافِيَةِ، فَكَفُورٌ لِمَا بِكَ مِنْهَا، وَإِذَا نُزِعَتْ مِنْكَ نَبْتَغِي قَدْعَكَ وَعَقْلَكَ فَيَئُوسٌ مِنْ رُوحِ اللَّهِ، قُنُوطٌ مِنْ رَحِمَتِهِ، كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏10- 11‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَئِنْ نَحْنُ بَسَطْنَا لِلْإِنْسَانِ فِي دُنْيَاهُ، وَرَزَقْنَاهُ رَخَاءً فِي عَيْشِهِ، وَوَسَّعْنَا عَلَيْهِ فِي رِزْقِهِ، وَذَلِكَ هِيَ النِّعَمُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ‏}‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بَعْدَ ضِيقٍ مِنَ الْعَيْشِ كَانَ فِيهِ، وَعَسِرَةٍ كَانَ يُعَالِجُهَا ‏{‏لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لِيَقُولُنَّ عِنْدَ ذَلِكَ‏:‏ ذَهَبَ الضَّيِّقُ وَالْعُسْرَةُ عَنِّي، وَزَالَتِ الشَّدَائِدُ وَالْمَكَارِهُ ‏{‏إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِفَرَحٌ بِالنِّعَمِ الَّتِي يُعْطَاهَا مَسْرُورٌ بِهَا

‏(‏فَخَوْرٌ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ ذُو فَخْرٍ بِمَا نَالَ مِنَ السَّعَةِ فِي الدُّنْيَا، وَمَا بُسِّطَ لَهُ فِيهَا مِنَ الْعَيْشِ، وَيَنْسَى صُرُوفَهَا، وَنَكَدَ الْعَوَائِصِ فِيهَا، وَيَدَعُ طَلَبَ النَّعِيمِ الَّذِي يَبْقَى، وَالسُّرُورِ الَّذِي يَدُومُ فَلَا يَزُولُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي‏}‏، غِرَّةً بِاللَّهِ وَجَرَاءَةَ عَلَيْهِ ‏{‏إِنَّهُ لَفَرِحٌ‏}‏، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَرَحَيْنِ ‏(‏فَخَوْرٌ‏)‏، بَعْدَ مَا أُعْطِيَ، وَهُوَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ‏.‏

ثُمَّ اسْتَثْنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي وَصَفَهُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ‏:‏ “ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ “‏.‏ وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْهُ لِأَنَّ “ الْإِنْسَانَ “ بِمَعْنَى الْجِنْسِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ‏.‏ وَهُوَ كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْعَصْرِ‏:‏ 3‏]‏،

فَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏، فَإِنَّهُمْ إِنْ تَأْتِهِمْ شِدَّةٌ مِنَ الدُّنْيَا وَعَسِرَةٌ فِيهَا، لَمْ يَثْنِهِمْ ذَلِكَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهُمْ صَبَرُوا لِأَمْرِهِ وَقَضَائِهِ‏.‏ فَإِنْ نَالُوا فِيهَا رَخَاءً وَسِعَةً، شَكَرُوهُ وَأَدَّوْا حُقُوقَهُ بِمَا آتَاهُمْ مِنْهَا‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ‏}‏ يَغْفِرُهَا لَهُمْ، وَلَا يَفْضَحُهُمْ بِهَا فِي مَعَادِهِمْ ‏{‏وَأَجْرٌ كَبِيرٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَعَ مَغْفِرَةِ ذُنُوبِهِمْ، ثَوَابٌ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا، جَزِيلٌ، وَجَزَاءٌ عَظِيمٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا‏}‏، عِنْدَ الْبَلَاءِ، ‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏، عِنْدَ النِّعْمَةِ ‏{‏أُولْئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ‏}‏، لِذُنُوبِهِمْ ‏{‏وَأَجْرٌ كَبِيرٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْجَنَّةُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ فَلَعَلَّكَ يَا مُحَمَّدُ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحِي إِلَيْكَ رَبُّكَ أَنْ تُبَلِّغَهُ مَنْ أَمَرَكَ بِتَبْلِيغِهِ ذَلِكَ، وَضَائِقٌ بِمَا يُوحَى إِلَيْكَ صَدْرُكَ فَلَا تُبَلِّغُهُ إِيَّاهُمْ، مَخَافَةَ ‏{‏أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ‏}‏، لَهُ مُصَدِّقٌ بِأَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ‏!‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَبَلِّغْهُمْ مَا أَوْحَيْتُهُ إِلَيْكَ، فَإِنَّكَ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ تُنْذِرُهُمْ عِقَابِي، وَتُحَذِّرُهُمْ بَأْسِي عَلَى كُفْرِهِمْ بِي، وَإِنَّمَا الْآيَاتُ الَّتِي يَسْأَلُونَكَهَا عِنْدِي وَفِي سُلْطَانِي، أُنْزِلُهَا إِذَا شِئْتُ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ، إِلَّا الْبَلَاغُ وَالْإِنْذَارُ ‏{‏وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ الْقِيَمُ بِكُلِّ شَيْءٍ وَبِيَدِهِ تَدْبِيرُهُ، فَانْفُذْ لِمَا أَمَرَتْكَ بِهِ، وَلَا تَمْنَعْكَ مَسْأَلَتُهُمْ إِيَّاكَ الْآيَاتِ مِنْ تَبْلِيغِهِمْ وَحَيِّي وَالنُّفُوذَ لِأَمْرِي‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا أَمَرَّتْ، وَتَدْعُوَ إِلَيْهِ كَمَا أَرْسَلَتْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ ‏{‏لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ‏}‏، لَا نَرَى مَعَهُ مَالًا أَيْنَ الْمَالُ‏؟‏ ‏{‏أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ‏}‏، يُنْذِرُ مَعَهُ‏؟‏ ‏{‏إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ‏}‏، فَبَلِّغْ مَا أُمِرْتَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَفَاكَ حُجَّةً عَلَى حَقِيقَةِ مَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ، وَدَلَّالَةً عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِكَ، هَذَا الْقُرْآنُ، مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ غَيْرِهِ، إِذْ كَانَتِ الْآيَاتُ إِنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ أُعْطِيهَا دَلَالَةً عَلَى صِدْقِهِ، لِعَجْزِ جَمِيعِ الْخَلْقِ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهَا‏.‏ وَهَذَا الْقُرْآنُ، جَمِيعُ الْخَلْقِ عَجَزَةٌ عَنْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، فَإِنْ هُمْ قَالُوا‏:‏ “ افْتَرَيْتَهُ “ أَيْ‏:‏ اخْتَلَقَتْهُ وَتَكَذَّبَتْهُ‏.‏

وَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا ذَكَرْنَا، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ‏}‏ إِلَى آخَرَ الْآيَةِ‏.‏ وَيَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ‏}‏، أَيْ‏:‏ أَيَقُولُونَ افْتَرَاهُ‏؟‏

وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى سَبَبِ إِدْخَالِ الْعَرَبِ “ أَمْ “ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

فَقُلْ لَهُمْ‏:‏ يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ “ مُفْتَرِيَاتٍ “ يَعْنِي مُفْتَعِلَاتٍ مُخْتَلِقَاتٍ، إِنْ كَانَ مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ مُفْتَرًى، وَلَيْسَ بِآيَةٍ مُعْجِزَةٍ كَسَائِرٍ مَا سُئِلَتْهُ مِنَ الْآيَاتِ، كَالْكَنْزِ الَّذِي قُلْتُمْ‏:‏ هَلَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ‏؟‏ أَوِ الْمَلَكَ الَّذِي قُلْتُمْ‏:‏ هَلَّا جَاءَ مَعَهُ نَذِيرًا لَهُ مُصَدِّقًا‏!‏ فَإِنَّكُمْ قَوْمِي، وَأَنْتُمْ مِنْ أَهْلِ لِسَانِي، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْكُمْ، وَمُحَالٌّ أَنَّ أَقْدَرَ أَخْلُقَ وَحْدِي مِائَةَ سُورَةٍ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ سُورَةً، وَلَا تَقْدِرُوا بِأَجْمَعِكُمْ أَنْ تَفْتَرُوا وَتَخْتَلِقُوا عَشْرَ سُورٍ مِثْلِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِذَا اسْتَعَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْ شِئْتُمْ مِنَ الْخَلْقِ‏.‏

يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْعُوَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْنِي سِوَى اللَّهِ لِافْتِرَاءِ ذَلِكَ وَاخْتِلَاقِهِ مِنَ الْآلِهَةِ، فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى أَنْ تَفْتَرُوا عَشْرَ سُورٍ مِثْلِهِ، فَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّكُمْ كَذَبَةٌ فِي قَوْلِكُمْ‏:‏ ‏(‏افْتَرَاهُ‏)‏، وَصَحَّتْ عِنْدَكُمْ حَقِيقَةُ مَا أَتَيْتُكُمْ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏ وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ أَنْ تَتَخَيَّرُوا الْآيَاتِ عَلَى رَبِّكُمْ، وَقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا تُكَذِّبُونَ بِهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مِثْلُ الَّذِي تَسْأَلُونَ مِنَ الْحُجَّةِ وَتَرْغَبُونَ أَنَّكُمْ تُصَدِّقُونَ بِمَجِيئِهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏، لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ‏}‏، وَإِنَّمَا هُوَ‏:‏ قُلْ‏:‏ فَأَتَوْا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرِيَاتٍ، إِنَّ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جَرِيحٍ‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ‏}‏، قَدْ قَالُوهُ، ‏{‏قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ‏}‏‏.‏ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ، قَالَ‏:‏ يَشْهَدُونَ أَنَّهَا مَثَلُهُ هَكَذَا قَالَ الْقَاسِمُ فِي حَدِيثِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكُمْ مِنْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَى أَنْ يَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلَ هَذَا الْقُرْآنِ مُفْتَرِيَاتِ، وَلَمْ تُطِيقُوا أَنْتُمْ وَهَمَ أَنْ تَأْتُوا بِذَلِكَ، فَاعْلَمُوا وَأَيْقِنُوا أَنَّهُ إِنَّمَا أُنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَإِذْنِهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَفْتَرِهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَرِيَهُ ‏{‏وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَيْقَنُوا أَيْضًا أَنْ لَا مَعْبُودَ يَسْتَحِقُّ الْأُلُوهَةَ عَلَى الْخَلْقِ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ، فَاخْلَعُوا الْأَنْدَادَ وَالْآلِهَةَ، وَأَفْرِدُوا لَهُ الْعِبَادَةَ‏.‏

وَقَدْ قِيلَ‏:‏ إِنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ‏}‏ خِطَابٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَكَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ، يَا مُحَمَّدُ فَاعْلَمُوا، أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، أَنَمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَذَلِكَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ مِنَ الْمَفْهُومِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَهَلْ أَنْتُمْ مُذْعِنُونَ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، وَمُخْلِصُونَ لَهُ الْعِبَادَةَ، بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُجَّةِ عَلَيْكُمْ‏؟‏

وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ‏:‏ عَنَى بِهَذَا الْقَوْلِ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ

وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ‏}‏، وَالْخِطَابُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ قَدْ جَرَى لِوَاحِدٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قُلْ فَأْتُوا‏}‏، وَلَمْ يَقُلْ‏:‏ “ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ “ عَلَى نَحْوِ مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي خِطَابِ رَئِيسِ الْقَوْمِ وَصَاحِبِ أَمْرِهِمْ، أَنَّ الْعَرَبَ تُخْرِجُ خِطَابَهُ أَحْيَانًا مَخْرَجَ خَطَّابِ الْجَمْعِ، إِذَا كَانَ خِطَابُهُ خِطَابًا لِأَتْبَاعِهِ وَجُنْدِهِ، وَأَحْيَانًا مَخْرَجَ خَطَّابِ الْوَاحِدِ، إِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ وَاحِدًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مِنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَإِيَّاهَا وَزِينَتِهَا يُطْلَبُ بِهِ، نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ فِيهَا وَثَوَابَهَا ‏{‏وَهُمْ فِيهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا، ‏{‏لَا يُبْخَسُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَا يُنْقَصُونَ أَجْرَهَا، وَلَكِنَّهُمْ يُوَفَّوْنَهُ فِيهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏ الْآيَةَ، وَهِيَ مَا يُعْطِيهِمُ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا بِحَسَنَاتِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَظْلِمُونَ نَقِيرًا‏.‏ يَقُولُ‏:‏ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا الْتِمَاسَ الدُّنْيَا، صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ تَهَجُّدًا بِاللَّيْلِ، لَا يَعْمَلُهُ إِلَّا لِالْتِمَاسِ الدُّنْيَا، يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ أُوَفِّيهِ الَّذِي الْتَمَسَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَثَابَةِ، وَحَبِطَ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يُعْمَلُ الْتِمَاسَ الدُّنْيَا، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ ثَوَابُ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ أُعْطُوهُ فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارَ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ وَزْنَ مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ أُعْطُوا فِي الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارَ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ هِيَ مِثْلُ الْآيَةِ الَّتِي فِي الرُّومِ‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الرُّومِ‏:‏ 39‏]‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ عَمِلَ لِلدُّنْيَا وُفِّيهِ فِي الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ عَمِلَ عَمَلًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، لَا يُرِيدُ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا ثَوَابَ ذَلِكَ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏، فِي الدُّنْيَا، ‏{‏وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏، أَجْرَ مَا عَمِلُوا فِيهَا، ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا‏}‏ الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عِيسَى يَعْنِي ابْنَ مَيْمُونٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ، جُوزِيَ بِهِ، يُعْطَى ثَوَابَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عِيسَى الْجُرَشِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ، يُعَجِّلُ لَهُ فِي الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏، أَيْ‏:‏ لَا يَظْلِمُونَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ مِنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَسَدَمَهُ وَطَلِبَتَهُ وَنِيَّتَهُ، جَازَاهُ اللَّهُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ يُفْضِي إِلَى الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا جَزَاءً‏.‏ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَيُجَازَى بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ ‏{‏وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏ أَيْ‏:‏ فِي الْآخِرَةِ لَا يُظْلَمُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ جَمِيعًا، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ مَنْ كَانَ إِنَّمَا هِمَّتُهُ الدُّنْيَا، إِيَّاهَا يَطْلُبُ، أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالًا وَأَعْطَاهُ فِيهَا مَا يَعِيشُ، وَكَانَ ذَلِكَ قِصَاصًا لَهُ بِعَمَلِهِ‏.‏ ‏{‏وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يُظْلَمُونَ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ‏:‏ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ أَحْسَنُ مِنْ مُحْسِنٍ، فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الْآخِرَةِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرْنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏ الْآيَةَ، يَقُولُ‏:‏ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي غَيْرِ تَقْوَى يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أُعْطِيَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فِي الدُّنْيَا‏:‏ يَصِلُ رَحِمًا، يُعْطِي سَائِلًا يَرْحَمُ مُضْطَرًّا، فِي نَحْوِ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، يُعَجِّلُ اللَّهُ لَهُ ثَوَابَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ وَالرِّزْقِ، وَيَقِرُّ عَيْنَهُ فِيمَا خَوَّلَهُ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مِنْ مَكَارِهَ الدُّنْيَا، فِي نَحْوِ هَذَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْأَزْدِيِّ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ طَيِّبَاتُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ وَهِيبٍ‏:‏ أَنَّهُ بَلَّغَهُ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ، هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ‏.‏

قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حيوةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ أَبُو عُثْمَانَ أَنَّ عَقَبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ شُفَيَّ بْنَ مَاتِعٍ الْأَصْبَحِيَّ حَدَّثَهُ‏:‏ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا هُوَ بَرْجَلٌ قَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ مَنْ هَذَا‏؟‏ فَقَالُوا أَبُو هُرَيْرَةَ‏!‏ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلَا قُلْتُ‏:‏ أَنْشُدُكَ بِحَقِّ، وَبِحَقِّ، لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدِّثْنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏!‏ ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ‏:‏ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدِّثْنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَيْتِ، مَا فِيهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ‏!‏ ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً شَدِيدَةً، ثُمَّ مَالَ خَارًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَاشْتَدَّ بِهِ طَوِيلًا ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَزَلَ إِلَى الْقِيَامَةِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ، وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى بِهِ رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، وَرَجُلٌ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ كَثِيرُ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْقَارِئِ‏:‏ أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى يَا رَبِّ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَمَاذَا عَمِلَتْ فِيمَا عُلِّمْتَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كُنْتُ أَقُومُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ‏!‏ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ‏:‏ كَذبْتَ‏!‏ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ‏:‏ كَذَبْتَ‏!‏ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ‏:‏ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ “ فُلَانٌ قَارِئٌ“ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ‏!‏ وَيُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ‏:‏ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ تَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى يَا رَبِّ‏!‏ قَالَ‏:‏ فَمَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ، وَأَتَصَدَّقُ‏.‏ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ‏:‏ كَذَبْتَ‏!‏ وَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ‏:‏ كَذَبْتَ‏!‏ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ‏:‏ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ “ فَلَانٌ جَوَادٌ “ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ‏!‏ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قَتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقَالُ لَهُ‏:‏ فِيمَا ذَا قُتِلَتْ‏؟‏ فَيَقُولُ‏:‏ أَمَرْتَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِكَ، فَقَاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتَ‏.‏ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ‏:‏ كَذَبْتَ‏!‏ وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ‏:‏ كَذَبْتَ‏!‏ وَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ‏:‏ بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ “ فُلَانٌ جَرِيءٌ “ وَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ‏!‏ ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ‏:‏ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

قَالَ الْوَلِيدُ أَبُو عُثْمَانَ‏:‏ فَأَخْبَرَنِي عُقْبَةُ أَنَّ شَفِيًّا هُوَ الَّذِي دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ بِهَذَا‏.‏

قَالَ أَبُو عُثْمَانَ‏:‏ وَحَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ سَيَّافًا لِمُعَاوِيَةَ قَالَ‏:‏ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَحَدَّثَهُ بِهَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ‏:‏ وَقَدْ فَعَلَ بِهَؤُلَاءِ هَذَا، فَكَيْفَ بِمَنْ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ‏!‏ ثُمَّ بَكَى مُعَاوِيَةُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ هَلَكَ، وَقُلْنَا‏:‏ ‏[‏قَدْ جَاءَنَا‏]‏ هَذَا الرَّجُلُ بِشَرٍّ‏!‏ ثُمَّ أَفَاقَ مُعَاوِيَةُ وَمَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا‏}‏، وَقَرَأَ إِلَى‏:‏ ‏{‏وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ مِمَّنْ لَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ، يَصُومُ وَيُصَلِّي يُرِيدُ بِهِ الدُّنْيَا، وَيَدْفَعُ عَنْهُ هَمُّ الْآخِرَةِ ‏{‏وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ‏}‏ 0، لَا يَنْقُصُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ أَنَّا نُوَفِّيهِمْ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ‏{‏لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ‏}‏، يَصِلُونَهَا ‏{‏وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَذَهَبَ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا، ‏{‏وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَأَبْطَلَهُ اللَّهُ وَأَحْبَطَ عَامِلَهُ أَجْرَهُ‏.‏